فصل: تفسير الآية رقم (187):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومما يستبعد من طريق العقل ما نقله الإمام الشعراني عن شيخه علي الخواص قدس سره أن البهائم مكلفون محتجًا بقوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} [الأنعام: 38] مع قوله تعالى: {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] وبما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «إنه ليؤخذ للشاة الجماء من الشاة القرناء».
وهذا وإن كان في الشاة لكن لا قائل بالفرق، ونقل عنه القول بأن كل ما في الوجود من حيوان ونبات وجماد حي دراك، ثم قال: فقلت له فهل تشبيه الحق تعالى من ضل من عباده بالأنعام بيان لنقص الأنعام عن الإنسان أم لكمالها في العلم بالله تعالى؟ فقال رضي الله تعالى عنه: لا أعلم، ولكني سمعت بعضهم يقول: ليس تشبيههم بالأنعام نقصًا وإنما هو لبيان كمال مرتبتها في العلم بالله عز وجل حتى حارت فيه فالتشبيه في الحقيقة واقع في الحيرة لا في المحار فيه فلا أشد حيرة من العلماء بالله تعالى، فأعلى ما يصل إليه العلماء في العلم بربهم سبحانه وتعالى مبتدأ البهائم الذي لم تنتقل عن أصله وإن كانت منتقلة في شؤونه بتنقل الشؤون الإلهية لأنها لا تثبت على حال، ولذلك كان من وصفهم سبحانه وتعالى من هؤلاء القوم أضل سبيلًا من الأنعام لأنهم يريدون الخروج من الحيرة من طريق فكرهم ونظرهم ولا يمكن لهم ذلك، والبهائم علمت ذلك ووقفت عنده ولم تطل الخروج عنه لشدة علمها بالله تعالى، وذكر أنها ما سميت بهائم إلا لأن أمرا قد أبهم على غالب الخلق فلم يعرفوه كما عرفه أهل الكشف انتهى.
وهو كلام يورث المؤمن به حسدًا للبهائم نفعنا الله تعالى بها وأعاذنا من الحسد {وَللَّهِ الأسماء الحسنى} التي يدبر كل أمر باسم منها {فادعوه بِهَا} [الأعراف: 180] حسب المراتب وأعلاها الدعاء بلسان الفعل وهو التحلي بمعانيها بقدر ما يتصور في حق العبد وذلك حظ المقربين منها، وذكر حجة الإسلام الغزالي قدس سره أن حظوظهم من معاني أسمائه تعالى ثلاثة: الأول: معرفتها على سبيل المكاشفة والمشاهدة حتى يتضح لهم حقائقها بالبرهان الذي لا يجوز فيه الخطأ وينكشف لهم اتصاف الله تعالى بها انكشافًا يجري في الوضوح والبيان مجرى اليقين الحاصل للإنسان بصفاته الباطنة التي يدركها بمشاهدة باطنه لا بإحساس ظاهره، وكم بين هذا وبين الاعتقاد المأخوذ من الآباء والمعلمين تقليدًا، والتصميم عليه وإن كان مقرونًا بأدلة جدلية كلامية.
الثاني استعظامهم ما يكشف لهم من صفات الجلال والكمال على وجه ينبعث منه شوقهم إلى الاتصاف بما يمكنهم من تلك الصفات ليقربوا بها من الحق قربا بالصفة لا بالمكان فيأخذوا من الاتصاف بها شبها بالملائكة المقرنين عند الله تعالى، والخلو من هذا الشوق لا يكون إلا لأحد أمرين إما لضعف المعرفة، وإما لكون القلب ممتلئًا بشوق آخر مستغرقًا به.
والثالث السعي في اكتساب الممكن من تلك الصفات والتخلق بها والتحلي بمحاسنها، وبذلك يصير العبد ربانيًا رفيقًا للملأ الأعلى من الملائكة شبيهًا بهم، وحينئذ لا يؤثر القرب والبعد في إدراكه بل لا يقتصر إدراكه على ما يتصور فيه ذلك ويكون مقدسًا عن الشهوة والغضب فلا تكون أفعاله بمقتضاهما بل الداعي إليها حينئذ طلب التقرب إلى الله تعالى ولا يلزم من هذا إثبات المماثلة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد، وقد قال جل وعلا:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] لأن المماثلة هي المشاركة في النوع والماهية لا مطلق المشاركة فالفرس الكيس وإن كان بالغًا في الكياسة ما بلغ لا يكون مماثلا للإنسان لمخالفته له بالنوع وإن شابهه بالكياسة التي هي عارضة خارجة عن المقومات للإنسانية؛ وأنت تعلم بأدنى التفات أنه لا يتصور الشركة بين الله تعالى الحي العليم المريد القادر المتكلم السميع البصير وبين العبد المتصف بالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر إلا في إطلاق الاسم لا غير، والكلام في خبر «لا زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل» إلخ يستدعي الخوض في بحر لا ساحل له فخذ ما أتيناك {وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَئِهِ} يطلبون معانيها من غيره سبحانه وتعالى ويضيفونها إليه وهؤلاء مما ذرأهم سبحانه وتعالى لجهنم {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] من الالحاد {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] وهم المرشدون الكاملون {والذين كَذَّبُواْ بآياتنا} كالمنكرين على هؤلاء الأمة {سَنَسْتَدْرِجُهُم مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] أنا سنستدرجهم {وَأُمْلِى لَهُمْ} أمهلهم {إِنَّ كَيْدِى} أخذي {مَتِينٌ} [الأعراف: 183] شديد، وقد جرت عادة الله تعالى في المنكرين على أوليائه أن يأخذهم أشد أخذ وقد شاهدنا ذلك كثيرًا نعوذ بالله تعالى من مكره، {أَوَ لَمْ يَنظُرُواْ في مَلَكُوتِ السموات والأرض وَمَا مّنَ الله مِن شَيْء} [الأعراف: 185] وهي الآيات التكوينية، وقد تقدم معنى الملكوت وهو في مصطلح الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم عبارة عن عالم الغيب المختص بالأرواح والنفوس وفسروا الملك بعالم الشهادة من المحسوسات الطبيعية كالعرش والكرسي وغيرهما وكل جسم يتركب من الاستقصاآت {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ} إذ لا هادي سواه سبحانه.
إلى الماء يسعى من يغص بلقمة ** إلى أين يسعى من يغص بماء

{وَيَذَرُهُمْ في طغيانهم يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186] يترددون لأن استعدادهم يقتضي ذلك، والله تعالى الموفق. اهـ.

.تفسير الآية رقم (187):

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما بين التوحيد والنبوة والقضاء والقدر، أتبعه المعاد لتكمل المطالب الأربعة التي هي أمهات مطالب القرآن، مبينًا ما اشتمل عليه هذا الكلام من تبلدهم في العمه وتلددهم في إشراك الشبه بقوله: {يسئلونك} أي مكررين لذلك {عن الساعة} أي عن وقتها سؤال استهزاء {أيان مرساها} أي أيّ وقت ثبات ثقلها واستقراره، والمرسى يكون مصدرًا وزمانًا ومكانًا، من رست السفينة- إذا ثبتت بالحديدة المتشعبة، وإنما كان هذا بيانًا لعمههم فإنهم وقعوا بذلك في الضلال من وجهين: السؤال عما غيره لهم أهم، وجعله على طريق الاستهزاء مع ما قام عليه من الأدلة، وسيكرره في هذه السورة، وكان اللائق بهم أن يجعلوا بدل السؤال عنها اتقاءها بالأعمال الصالحة.
ولما كان السؤال عن الساعة عامًا ثم خاصًا بالسؤال عن وقتها، جاء الجواب عمومًا عنها بقوله: {قل إنما علمها} أي علم وقت إرسائها وغيره {عند ربي} أي المحسن إليّ بإقامتها لينعم على تبعني وينتقم ممن تركني، لم يطلع على ذلك أحدًا من خلقه، ولا يقيمها إلا في أحسن الأوقات وأنفعها لي، وإخفاؤها أنفع للخلق لأنه أعظم لشأنها وأهيب، فيكون أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية وأقرب إلى التوبة، ثم خصصت من حيث الوقت بقوله مشيرًا إلى أن لها أشرطًا تتقدمها: {لا يجليها} أي يبينها غاية البيان {لوقتها إلا هو}.
ولما كان قد أشار إلى ثقل الساعة بالإرساء، وكان الشيء إذا جهل من بعض الوجوه أشكل وإذا أشكل ثقل، قال: {ثقلت} أي الساعة فغاصت إلى حيث لم يتغلغل إليها علم العباد فأهمهم كلهم عليّ شأنها، ولذلك عبر بالظرف فقال: {في السماوات والأرض} أي نسبة أهلهما إلى خفائها والخوف منها على حد سواء لأن مالكها قادر على ما يشاء، وله أن يفعل ما يشاء- ثم قرر خفاءها على الكل فقال: {لا تأتيكم} أي في حالة من الحالات {إلا بغتة} أي على حين غفلة.
ولما كانوا قد ألحفوا في سؤاله صلى الله عليه وسلم عنها، وكانت صفة الربوبية المذكورة في الجملة الأولى ربما حملت على سؤاله طمعًا في تعرفها من المحسن إليه، قطع الأطماع بقوله مؤكدًا للمعنى: {يسئلونك} أي عن الساعة مطلقًا في وقت وقوعها وما يحصل من أمورها ويحدث من شدائدها، أي ويلحفون في سؤالك كلما أخبرتهم أنه لا يعلمها إلا الله: {كأنك حفيٌّ} أي عالم بأمرها مستقص مبالغ في السؤال {عنها قل} أي قطعًا لسؤالهم {إنما علمها عند الله} أي الذي له جميع العزة والعظمة والكبرياء فلا يستطاع علم شيء مما عنده إلا بإذنه، ولم يأذن في علمها لأحد من الخلق {ولكن أكثر الناس} أي الذين غلبت عليهم صفة الاضطراب {لا يعلمون} أي ليسوا من أهل العلم فهم بالسؤال عنها يستهزئون، ولو كانوا من أهله ما كذبوك، فوقعوا ما لا يعنيهم من السؤال عنها وغيره من أنواع التعنت، وتركوا ما ينجيهم ويغنيهم من المبادرة إلى الإيمان بهذا القرآن خوف انخرام الآجال وهم يهيمون في أدوية الضلال. اهـ.

.قال الفخر:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا}.
اعلم أن في نظم الآية وجهين: الأول: أنه تعالى لما تكلم في التوحيد والنبوة والقضاء والقدر أتبعه بالكلام في المعاد، لما بينا أن المطالب الكلية في القرآن ليست إلا هذه الأربعة.
الثاني: أنه تعالى لما قال في الآية المتقدمة {وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] باعثًا بذلك عن المثابرة إلى التوبة والإصلاح قال بعده: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الساعة} ليتحقق في القلوب أن وقت الساعة مكتوم عن الخلق، فيصير ذلك حاملًا للمكلفين على المسارعة إلى التوبة وأداء الواجبات. اهـ.

.الإسرائيليات والموضوعات في تفسير الآية:

.قال الدكتور محمد أبو شهبة:

.الإسرائيليات في نسبة الشرك إلى آدم وحواء:

ومن الروايات التي لا تصح، ومرجعها إلى الإسرائيليات: ما ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وهذه الآية تعتبر من أشكل آيات القرآن الكريم؛ لأن ظاهرها يدل على نسبة الشرك لآدم وحواء، وذلك على ما ذهب إليه جمهور المفسرين من أن المراد بالنفس الواحدة: نفس آدم عليه السلام وبقوله: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} حواء رضي الله عنهما، وقد أول العلماء المحققون الآية تأويلا يتَّفق وعصمة الأنبياء في عدم جواز إسناد الشرك إليهم عليهم الصلاة والسلام، كما سنبين ذلك إن شاء الله.
الحديث المرفوع، والآثار الواردة في هذا:
وقد زاد الطين بلة ما ورد من الحديث المرفوع، وبعض الآثار عن بعض الصحابة والتابعين، في تفسير قوله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. وقد اغترَّ بهذه الروايات كثير من المفسرين، كابن جرير، والثعلبي، والبغوي والقرطبي، وإن كان ضعف الروايات، ولم تركن نفسه إليها، واعتبرها من الإسرائيليات وصاحب الدر المنثور.
والعجيب: أن إماما كبيرا له في رد الموضوعات والإسرائيليات فضل غير منكور، ومفسرا متأخرا وهو: الإمام الألوسي قد انخدع بهذه المرويات، فقال: وهذه الآية عندي من المشكلات، وللعلماء فيها كلام طويل، ونزاع عريض، وما ذكرناه، هو الذي يشير إليه الجبائي، وهو مما لا بأس به بعد إغضاء العين عن مخالفته للمرويات.... ثم قال: وقد يقال: أخرج ابن جرير عن الحبر: أن الآية نزلت في تسمية آدم، وحواء ولديهما بعبد الحارث، ومثل ذلك لا يكاد يقال من قبل الرأي، وهو ظاهر في كون الخبر تفسيرًا للآية....... وأنت قد علمت أنه إذا صح الحديث فهو مذهبي، وأراه قد صح، ولذلك أحجم كميت قلمي عن الجري، في ميدان التأويل، كما جرى غيره والله تعالى الموفق للصواب.
وبعض المفسرين أعرض عن ذكر هذه المرويات، وذلك كما صنع صاحب الكشاف، وتابعه النسفي.
وبعض المفسرين عرض لها، ثم بيَّن عدم ارتضائه لها، وذلك كما صنع الإمام القرطبي في تفسيره، فقال: ونحو هذا مذكور في ضعيف الحديث، وفي الترمذي وغيره، وفي الإسرائيليات كثير ليس لها إثبات، فلا يعوِّل عليها من له قلب، فإن آدم وحواء، وإن غرهما بالله الغرور، فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، على أنه قد سطر، وكتب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خدعهما مرتين، خدعهما في الجنة، وخدعهما في الأرض».